(الزورخانة) هي كلمة فارسية مركبة من كلمتين (زور) وتعني (قوة) و(خانه) وتعني (البيت)، وللزورخانة نفس المعنى في الللغة الكوردية ايضا، والمفهم الرياضي (للزورخانه) تعني مركز لتدريب المصارعة والعاب وتمارين القوة. وتدل الآثار التي اكتشفها الباحثون في قرية (خفاجة) ديالى بان السومريين يزاولون المصارعة وكانوا يخلدونها برسومهم المنقوشة على جدرانهم، وتعود هذه الاثار الى حوالي (4450 ق.م) (صبحي انور رشيد ـ الرياضة والموسيقى في العراق، جريدة الرياضي 1984)، كما ان الكورد الميدين والكاشيين قد مارسوا المصارعة وفعاليات القوة الجسدية لاغراض عسكرية وقتالية (فرنتيشك كراتكي ـ تاريخ التربية الرياضة، براغ 1963).
لقد انتشرت (الزورخانه) خلال الثلاثينيات من القرن التاسع عشر في اماكن مختلفة في العاصمة (بغداد) لذا فان هذه المدينة الجميلة، لم تكن محطة انظار العالم في الجوانب العلمية والثقافية والادبية والحضارية فحسب بل كانت الرياضة وهنا (المصارعة) على اوج تطورها، لقد انتشرت (الزورخانه) في اماكن مختلفة مثل (زورخانه ابو سيفين) في شارع غازي (حاليا شارع الكفاح)، و(زورخانه جامع المصلوب والعوينة)، و(زورخانه خان دجاج)، و(زورخانه الدهانة وباب الاغا)، و(زورخانه عكد الاكراد) وغيرها، وفي اوائل عشرينيات القرن العشرين اخذت اماكن الزورخانه تعيش مجدها، وقد اتسعت لتمثل اماكن اخرى من بغداد وكذلك في مدن عراقية اخرى مثل كربلاء والنجف الاشرف والموصل والبصرة والسليمانية، ومن هذه الزورخانات (زورخانه حسن بنانه) و(زورخانه عبد الامير ابو الكرب) و(زورخانه المصبغة) في الرصافة، وقد ظهرت في الكاظمية مجموعة زورخانات منها (زورخانه القطانة)، و(زورخانه ابن جرموكه) وغيرها (جميل الطائي ـ الزورخانه البغدادية /1986).
وقد اهتم شباب الكورد الفيليين بالمصارعة، ومن ابرز واشهر ابطالهم الحاج حسن كورد والملقب بـ (حسن بهلوان) وهذا المصارع ولد في محلة سراج الدين عام (1865) وتوفي عام (1962)، والبطل مجيد كسل والبطل حميد عبد علي الملقب (حميد ليوه) والمصارع زوار مواليد 1913 والذي كان يسكن في حي الكورد (باب الشيخ) حيث نزح اجداده من (دلهى العاصمة) الى هذه المنطقة لاجل ان يكونوا بالقرب من مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني (عليه السلام) لزيارته باستمرار، كذلك اشتهر المصارع مجيد خليل لولو الذي ولد في محلة (باب الشيخ) عام 1909.
ومع الاسف الشديد ان السيد جميل الطائي مؤلف كتاب (الزورخانه البغدادية) قد جنى على الكورد الفيليين في الصفحة (20، 21) من مؤلفه المذكور، حينما اشار بان هؤلاء الابطال هم ايرانيو الجنسية عراقيو المولد، وهذا هو مأخذ كبير على هذا المؤلف وغيرهم ممن ظلموا الكورد الفيليين ودور ابطالهم المتميزين في الزورخانة البغدادية وفي رفع راية العراق عاليا في انتصاراتهم على ابطال مشهورين من الخارج.
الجزء 2-3، 6/10/2003
هنالك العشرات من المصارعين الكورد والعرب والتركمان الذين برزوا على صعيد السباقات الداخلية والخارجية منهم البطل الحاج عباس الديك والحاج محمد بن اسطة بريسم (1854ـ1948) والحاج غني القره غولي (1890ـ1950) والبطل حساني (من الكاظمية) والبطل الحاج ظاهر مسعود والبطل رضا عنجر وحسين القندرجي والبطل توفيق الكركولي ومهدي زنو وحميد عبد علي ومحمد حسن البصراوي وصبري الجنابي ولاننسى البطل عويس الاعظمي والاسم الحقيقي (جاسم محمد طه) من محلة الشيوخ بالاعظمية حيث ولد هناك عام 1917 وكان يشرف على تدريبه كل من البطلين الحاج عباس الديك والحاج حسن كورد في زورخانة (الدهانة).
الجانب المشرق لابطال بغداد والكورد الفيليين: لقد استطاع المصارع الحاج عباس الديك من الفوز على الكثير من المصارعين الاجانب، فقد فاز على المصارع الهندي (حسن غلام)، وفي عام (1921) استطاع الفوز على المصارع (اغا صدري) في زورخانة (الجميكاه) في كربلاء، كما استطاع الفوز على المصارع (صادق بلوفروش) وكذلك فاز على المصارع الالماني (الهير كرايمر)، كما ان البطل الحاج حسن كورد كان من المصارعين المتميزين، فقد ابتكر مسكة فنية في المصارعة سميت بـ (الدراو الكوردي) وكانت من المسكات الصعبة في المصارعة، كما ان هذا البطل تغلب على المصارع (قاسم الكرمنشاهي) وهو من مدينة كرمنشاه الكوردية في ايران كما انه كان قد تغلب على العديد من ابطال المصارعة في العراق. اما بالنسبة للمصارع الهندي (حسن غلام) ايضا، والجدير بالذكر ان جميع هؤلاء الابطال من الكورد الفيليين. اما بالنسبة للمصارع حميد عبد علي والملقب بـ (حميد ليوه) فقد استطاع التغلب على العديد من المصارعين منهم المصارع الايراني (دشتي) كما استطاع التغلب على المصارع (يعكوب النجفي) في زورخانة (خرمشهر) والجدير بالذكر ان المصارع حميد قد اسس عددا من الزورخانات منها: زورخانة في (الكويت)، وزورخانة في البصرة وغيرهما، وفي عام 1952 اعلن اعتزاله بعد ان امضى في المصارعة والسباقات اكثر من عشرين سنة.
الجزء 3-3، 7/10/2003
تدريبات المصارعة في الزورخانة البغدادية: في ايام الصيف كان المصارعون يتدربون على شواطئ نهر دجلة ببغداد (في جفرا للزورخانة). وكان الابطال يتدربون على المقام العراقي وقراءة الادعية الدينية والمدائح النبوية. كذلك باستخدام الطبلة والآلات الموسيقية. وكانوا يمارسون الوانا مختلفة من تمارين القوة وتمارين بناء الجسم وتمارين الاثقال والمصارعة وغيرها. كان لمدرسة البطل الحاج عباس الديك (1902ـ1974) ومدرسة البطل حسن كورد الاثر الفعال في نشر المصارعة وتطورها بين الشباب ورفع سمعت العراق دوليا وعالميا. وبالفعل استطاعوا ابطال العراق ان يفوزون على الكثير من ابطال الدول سيما الدول المشهورة بالمصارعة مثل ايران والهند وتركيا. لقد كان لفوز البطل الحاج عباس الديك على المصارع الالماني (الهير كرايمر) اثر عالمي كبير وسمعة جيدة للعراق. وكذلك فوز البطل (خلاوي الكوردي) على احد الهواة وهو المصارع (جعفر علي) وذلك في عام 1919. كذلك يعتبر الحاج حسن نصيف الجميلي (1898ـ1983) احد ابطال الزورخانة البغدادية. والمصارع الحاج محمد بن اسطة بريسم المولود في محلة الفضل عام (1854ـ1948) نازل العديد من المصارعين الايرانيين والانكليز والهنود ومنهم المصارع الهندي المدعو (اشرف) حيث تغلب عليه. لقد اخذت الزورخانة تندثر وتنقرض شيئا فشيئا منذ اواخر الاربعينيات والخمسينيات من القرن التاسع عشر وذلك لعدم الاهتمام الجاد بهذه المؤسسات من قبل السلطات السابقة. كذلك جرت الويلات والظلم من قبل الحكومات والنظم الشوفينية والدكتاتورية على الكورد الفيليين واخر هذه المأساة في زمن الطاغية صدام حيث امر زمرته الفاسدة والمجرمة بحملة التسفيرات لعوائل الكورد الفيليين ومصادرة اموالهم وممتلكاتهم وتجريدهم من الهويات والمستمسكات الاخرى والاستيلاء على اموالهم واعتقال الالاف من عوائلهم وشبابهم وزجهم في زنزانات مرعبة ومن ثم في قبور جماعية. ولكن الظلم لايدوم وارادة الله فوق كل شئ لقد رجع الكورد الفيليين الى موطن اجدادهم في بغداد الحبيبة والمطلوب من (وزارة المهاجرين والمهجرين) وارجاع بيوتهم وجميع حقوقهم. كما ان الشباب الكورد الفيليين قد اسسوا من جديد (نادي الكورد الفيليين) للقيام بالممارسات والتدريبات الرياضية وخاصة بالنسبة للالعاب المفضلة لديهم وفي المقدمة المصارعة ورفع الاثقال والكمال الجسماني فضلا عن كرة السلة والطائرة والقدم والعاب الساحة والميدان وغيرها.